في مجال كالشأن العام حيث تسود الانفعالات والأهواء غير المنضبطة من المهم دائما إعادتها إلى أرضية التفكير العلمي، فما هو السبب العلمي للثورات والحروب وأيضا العنف الأسري وهروب الفتيات وحركات الاحتجاجات التي يموج بها العالم؟ السبب يكمن في إرادة طرف فرض معادلة «اللعبة الصفرية المحصلة zero-sum game-» على غيره، وهذه المعادلة هي من «نظرية اللعبة-Game theory» وهي إحدى أبرز نظريات الاقتصاد والمنطق الرياضي ونال عنها ثمانية علماء جوائز نوبل، وتطبيقاتها تشمل كل مجالات العلوم والسياسة والاجتماع والتخطيط، وهي تبحث في آليات واستراتيجيات التفاعل بين الأطراف المختلفة في مجال معين ونتائجه، وسميت باللعبة بسبب الطبيعة التفاعلية للعلاقات، وهناك نمطان أساسيان فيها؛ نمط «اللعبة الصفرية المحصلة» وهي التعاملات التي يكون فيها ربح طرف هو على حساب خسارة الطرف الآخر، بحيث يكون الباقي من طرح حساب ربح أحدهما من حساب خسارة الآخر هو صفر، ولذا تستفز الطرف المحروم من الربح للمطالبة بحق أن يكون طرفا رابحا ولذلك هناك ما تسمى بنظرية «معضلة السجين-The Prisoner Dilemma» وتقول؛ إنه عندما تتخذ الأطراف المعنية قرارات تراعي فقط مصالحها الأنانية فسيكون الكل خاسرا، فالنتيجة؛ ثورات.. إرهاب.. حروب.. وهروب، والنمط الآخر: «اللعبة غير صفرية المحصلة- non-zero-sum game» وهي التفاعلات التي لا تكون فيها بالضرورة مكاسب طرف معتمدة على خسارة الطرف الآخر، أي يمكن أن تكون كل الأطراف رابحة، أما أشهر إستراتيجية من إستراتيجيات نظرية اللعبة؛ «Tit for tat-واحدة بواحدة» حيث يقابل كل فعل من أحد الأطراف رد فعل من جنسه متجاوب معه من الطرف الآخر فيتحقق التوازن، أما الخسارة فتحصل للطرف الذي لا يتخذ خيارات فعالة تتجاوب مع أفعال الآخر وتوازنها، وليتجاوب الآخر يجب أن يكون هناك محفز له للتجاوب متمثل في إما خسارة يريد تجنبها أو مكسب يطمح إليه، وعموما كل ما تقوله هذه النظريات الرياضية المعقدة هو منطق السلوك العادل الفطري الذي يمكن رؤيته حتى في الحيوان وعدم مراعاته هو سبب كل نكبات العالم، أما السؤال لماذا يختار الناس تجاهل هذا المنطق الفطري؟ فهو لا يحتاج لمحلل سياسي للإجابة عليه إنما لمحلل نفسي؛ فغالب الناس ينساقون بلاوعي وراء أهواء نزعاتهم الأنانية بدون تمحيص قيمي موضوعي لعواقبها يراعي منطق الانصاف الفطري ومن ثم يحاولون التدليس بتبريرات عشوائية أخلاقية لقراراتهم العشوائية «صفرية المحصلة» التي تسببت بنكبة ولذا تكون مهينة لذكاء الآخرين في درجة مناقضتها لمعطيات الواقع والحق والحقيقة.
* كاتبة سعودية
bushra.sbe@gmail.com
* كاتبة سعودية
bushra.sbe@gmail.com